منذ رؤيتى لعينى أبى فى لحظة ولادتى إقتنعت بأننى شخص غير مرغوب فيه , كان ذلك فى بدايات شهرى السادس , فقد وضعتنى والدتى مبكراً , دون حتى أن أُكمل الشهور التسعة وأيامها العشر كما تفعل أمهات رفيقاتى , وُلدت فى ستة شهور , لم أشأ أن أكون فى رحم والدتى , أردت أن أوفر عليها طاقة شهور ثلاث من تعبها , كانت بنيتها ضعيفة لذلك أراد الله أن يُريحها مما هى فيه , فجئت باكرة بأشهر ثلاث.
كان أبى يتمتع ببنية جسمانية مهولة , كان وزنه يتجاوز المئة وعشرون كيلو جرام , وكنت أنا بالكاد أُكمل كيلو جراماً واحداً .
كان أبى يُريد أن تمنحه والدتى ذكراً , ماذا يفعل بأُنثى ؟؟؟ يُريد أبى ولداً صالحاً يُساعده لا أنثى تحتاج للمساعدة فى كل حين .
عند صرختى الأولى فرحت والدتى والنسوة اللواتى كُن بجوارها , أذكر منهن خالتى الصغيرة , وجارتنا العزيزة , ونسيت أمر من حضر وقتها من غيرهن , كان يشغل بالى أن أرى والدى , أن يمنحنى أنفاسه أن يهبنى بعض بركته , ولكنه دخل غرفتنا متجهماً , حملنى بتقزز وكأنه يحمل عاراً , لماذا يا أبى ؟؟؟ أليس من حقى أن أرى فرحتك بى , أليس من الأجدر أن تُرحب بمقدمى كما يفعل كل أب صالح ؟؟؟ .
وضعنى أبى بسرعة , أو قُل قذفنى من يديه , ناحية والدتى التى كانت فى حالة صحية لا تسمح لها بالتحرك , فقد أوصتها من أخرجتنى أن لا تتحرك فى أيامها السبع الأولى , كنت أود الخروج معها لأُقابل أُناس آخرين , علنى أرى شخصاً يبتهج بوصولى , ولكنها لم تخرج حتى إسبوعها الثانى , وكأنها أنجبت عاراً , لم يكن بإرادتها ذلك , ولكنها تخاف من والدى , كان والدى بشاربه الطويل وصوته الجهور يُخيف كل من يعرفه , كانت أمى هى زوجته الثانية , لم يُنجب من زوجته الأولى .
طيلة عامين لم أشعر بأبى يُلاعبنى كما يفعل الآباء الآخرون , كان كلما يرانى أشعر به غاضباً وكأنى سأقتله .
بعد عامين أنجبت والدتى أخاً لى , كان ذلك بداية إحساسى بضياعى , بتضجرى من حياتى , رأيت أبى يفرح بمقدمه , يبتهج , تعم الأفراح لأيام فى دارنا ,رأيت أغراباً يأتون لتهنئتنا , من كل قريتنا بل ومن قرى أخرى مجاورة , كنت أنا منزوية فى دارنا , لا أحد يشعر بى , مع أننى أخته , وأنا من سبقته فى إستنشاق الأوكسجين , يا له من عالم ذكورى لا يرحم .
أكل المعزومون الوليمة التى جهزها والدى لهم , وتفرقوا , لا أذكر أن والدى قد أقام لى وليمة , إقتصرت دعوته على أخوانه فقط , وكأنها وجبه غداء عادية , وليست إحتفاء بمولود .
كنت عندما ألعب مع أخى الصغير أسمع والدى يصرخ فى وجهى , يأمرنى أن أبعد عنه , يقول لى كلمات نابية , كنت أجرى بعيداً لأظل فى حجر والدتى , أتغطى بما توفر لى , أدارى دموعى بعيداً عنه وعن والدتى , هل أنا خطيئة ؟؟؟
عندما كُنت أبكى كان أبى يضربنى , يطلب منى أن أتوقف , أتوقف تحت وقع ضرب أبى الشديد لى , عندما أضحك بصوت كان أيضاً يضربنى أبى , كان أخى يبكى فيقوم والدى بإرضاءه بشتى السبل , كان يذهب معه للبقالة التى بجانبنا فيشترى له بعض الحلوى , ولم يحدث أن إشترى لى شيئاً . حتى ملابسى كانت من بقايا ما يجود به الأهل على والدتى , ملابسى مستعملة حتى .
كان يضحك أخى فيضحك أبى من قلبه , كان أخى يلعب بظهر أبى , حتى لو كان نائماً , فيدخل السرور فى وجه أبى , حاولت أنا أن أقوم بذلك لمرة واحدة ولكنه صرخ فى وجهى كالعادة ولم أُكررها .
عندما صرت فى سنين الدراسة كقريناتى لم يذهب بى أبى للمدرسة , بل تركنى لأساعد والدتى , كانت بنت الجيران تذهب للمدرسة بمريلتها البيضاء , وتأتى بحقيبتها وراء ظهرها وأنا حبيسة لبيتنا , كنت أراها سعيدة , وأنا فى غاية بؤسى وشقائى .
دخل أخى الصغير المدرسة وبت إبنة الثمانية أعوام , دون أن أتعلم حرفاً لأكتب , ومرت السنوات ولم أرى من نعيم الدنيا شيئاً غير صبر والدتى ودموعها على حالتى .
سنوات مرت , وسنوات , لم يتغير كره والدى لى , أعيش فى بيتنا كغريبة , بل الغرباء يكون أبى لطيفاً معهم أكثر من لطفه معى , بت أعرف فى كل يوم عمق ما فيه أنا من شقاء وقحط عاطفة لأكثر ما أحتاجها منه .
لم يتغير أبى , ولم تتغير حالتى , كنت أمنى نفسى بزوج يُخرجنى من مملكة أبى السجنية , ولكن أبى فرض على أن أبقى بجوار والدتى , أزيد أساها , فى كل حين , وأغرق أنا فى غربتى الممتدة كعهد .
بنت جيراننا التى كانت تلبس مرولتها عند حضورها من المدرسة صارت طبيبة الآن , أخبرتنى بسر عظيم , قالت لى :- الرجل هو من يهب للحياة الذكر أو الأنثى من بعد الله , الأم ليس بيدها شئ , كله بكروموسومات الرجل , تتعهد الأم بالرعاية داخل رحمها , الرعاية فقط .
لم أفهم من حديثها شيئاً , ولكن ما نمى إلى عقلى أن أبى هو من تسبب بالإتيان بى , فلماذا يكرهنى !!! هل سأقول له ذلك ؟؟؟؟ لا لن يفهمنى , بل سيجد طريقة يتخلص بها من وجودى فى عالمه , هو برئ فى وجودى , أو كما يظن , والدتى هى السبب , كما يفهم الرجال , الرجال جميعهم .
هناك تعليق واحد:
تفضيل الذكور على الإناث لا يتوقف أثره السيئ على حياة البنات فحسب ولكنه أيضاً مادة خام ومشروع إنتاج طاغية صغير
ليس لهذه التفرقة اساس دينى او اختلاف فى المقدرة انما هى نتاج للجهل والتخلف والموروث.
جعل الإسلام الرجل والمرأة من نفس واحدة حيث جاء في الكتاب العزيز قوله تعالى: “يا أيها الناس اتقوا ربكم الذي خلقكم من نفس واحدة وخلق منها زوجها وبث منهما رجالاً كثيراً ونساء
وقال صلى الله عليه وسلم: “سووا بين أولادكم في العطية، فلو كنت مفضلاً أحداً لفضلت النساء”.
شكرا عقبه
على هذه الواحة الجميلة
والى الامام
بدرية عبدالدائم سيدعلى
إرسال تعليق