لم يكن على أبداً أن أركب هذه الحافلة المكتظة بالبشر وكأنهم يُساقون إلى إعدام , إنهم فقط لا يعرفون أنى رجل مهم , الرجال المهمين لا يركبون فى مثل هذه الحافلات , كان عليهم على الأقل أن يُجلسونى فى مقعد بجوار السائق أو مجاور لنافذة ما , ولكن حتى هذه لم يكونوا ليفعلونها , ربما أجد لهم العذر لأنهم لا يعرفون قدر الرجال المهمين , إنهم أُناس من الحثالة , الناس العاديون هم حثالة البشر وهم كائنات ينبغى أن يتم حرقهم أو إعدامهم فى ميدان عام , أنظر إليهم أنهم حتى لا يهتمون وكأن الأمر لا يعنيهم فى شئ , هل أخبرهم من أنا ؟ لا لن أخبرهم ولكن إن كان فيهم رجل مثقف سيفهم على الفور ويقول لهم من أكون , ألا يبدو مظهرى على أننى رجل مهم وليس مثلهم ؟ نعم ربما ملابسى تتشابه كثيراً معهم ببنطالى الممذق وقميصى الباهت , ولكن نظارتى السميكة و ملامح شعرى الكثيف حتماً تدل على أننى رجل مهم , وأضع قلماً وأحمل قصصاً فى يدى ربما يراها البعض منهم لجهلهم كملف يحمله جُباة الضرائب , أو متحصلى النفايات المنزلية , ينبغى على أحدهم أن يقول لهم أننى انا المثقف المشهور .
أرى أحدهم يُطيل النظر إلى , يجب على أن أبتسم فى وجهه ليعرفنى , لا لن أبتسم الناس المشهورون جادون فى حياتهم ولا يجدون وقتاً للإبتسام , وهاهو قد أشاح بوجهه عنى يبدو أنه لم يتعرف على كفاية يجب أن أساعده حتى يفهم الجميع من انا , سأسأله إن كان تعرف على أم لا بالتأكيد سيقول إنه يعرفنى يجب أن يكون ذلك بصوت عال حتى يسمع الجميع هنا حتى السائق يجب أن يعرف من الذى يركب حافلته اليوم , إن كان مهتماً بالتأكيد سيطلب منى توقيعاً , أوتوغرافاً أوقعه ليفتخر به بين أصدقاءه أو ربما جميع من فى الحافلة سيطلبون ذلك , ولكن لن أفعل لأننى رجل مهم , والرجال المهمين ليس لديهم وقت حتى يوقعوا أوتوغرافاً للجميع , ومن ناحية أُخرى حين يعرف العامة أننى أستغل الحافلة العادية سيقل إحترامهم لى , لذا لن أوقع أوتوغرافاً سأكتفى فقط بأن يعرفون من الذى يشاركهم فى ركوب الحافلة فى هذا اليوم إنه بكل تأكيد حدث غير عادى .
سأبدأ بذلك الشخص الذى كان يرمقنى بنظراته وأسأله:-
:- لو سمحت هل تعرفت على ؟؟
ببرود معهود من مثل هؤلاء قال لى:
:- لا .
:- ولماذا كنت تنظر إلى ؟
:- لم أكن أنظر إليك أو ربما مصادفة ما جعلت أعيننا تلتقى ولكن لم أكن أنظر إليك .
:- ولكنك كنت تنظر إلى مسافة كافية خلت بينى وبين نفسى أنك تعرفت على لأننى رجل مشهور .
:- لا أيها الموظف فلست من أعرف الغرباء وعلى كل حال أنا آسف .
أشاح بوجهه عنى دون أن يواصل فى الحديث معى , هل أواصل معه ؟ حتى يعرف الجميع من أكون ؟ ولكن هذا الغبى قال لى أيها الموظف !! يا لغباء هؤلاء البشر , لا يفرقون بين المثقف والموظف يا لغبائهم وجهلهم , يجب على أن أصمت حتى يتعرف على أحدهم , الناس المهمين يجب عليهم أن يكونوا أكثر هدوءاً ولا يلفتون النظر .
مرت إحدى النسوة حين توقفت الحافلة وهى تهم بالنزول , دفعتنى بيدها من الطريق الذى أقف فيه وكأنها لا تعرفنى , بل إنها تتأفف حتى وهى تزجنى نحو الكرسى لقد نظرت إلى ألا يمكن أن تكون قد رأتنى يوماً ما أو سمعت الناس يتحدثون عنى ؟؟ يجب على أن أسألها قبل أن تنزل من الحافلة .
:- يا آنسة إنك قد قمتى بزجى من الطريق ونظرتى إلى هل تعرفين من أكون ؟؟
:- ومن تكون ؟ زوجى أم والدى .؟ أعرف إسلوب الصعاليك أمثالك فى معاكساتهم للنسوة . لذا كف عن الحديث معى .
تلقيت منها ضربة موجعة , ليتنى لم أسألها حتى , لابد أنها أمية وجاهلة لا تعرف القراءة وإلا لكانت قد عرفتنى , إننى رجل مهم .
صعد العديد من الركاب حين توقفت الحافلة لتنزل السيدة تلك , سيكون من بين الذين يركبون رجل مثقف ليقول لهم من انا , يجب على أن أنظر إليهم واحداً واحداً حتى يتعرفوا على .
نظرت ولم يُطيل أحدهم نظره , الكل يسبون بعضهم بعبارات بذيئة , إنهم غير مثقفون لذا ليس منهم شخص سيعرفنى , حتى وإن عرفنى أحدهم سأحاول أن لا أبدو لهم سأنكر شخصيتى , لن أكون هنا كمثقف وسط أُناس يخاطبون بعضهم بعبارات بذيئة .
ها هو الكمسارى قادم إنه يطلب منى الأجرة , لو كان يعلم من أنا لما سمح لنفسه بأن يطلب أجرة منى , ولكنى لن ألومه , سأدفع مرغماً , وقريباً جداً ستكون لى سيارتى الخاصة ولن أحمل فيها أحداً حتى وإن رأيت تلك السيدة التى أحرجتنى وهى واقفة على الطريق فى وقت متأخر من الليل .
يجب أن أسألهم , الأمر لم يعد يحتمل , سألفت نظرهم بطريقة ما :-
:- أيها السائق نظرت فى المرآة لى كثيراً هل تعرفت إلى ؟
:- يركب معى مئات الناس يومياً وأنظر إليهم لم يسبق لى أن تعرفت على أحدهم . ضحك الركاب من الأمر .
سأسأل الشخص الواقف بجوارى :-
:- هل تعرفت إلى ؟
:- لا يا سيدى , من أنت ؟
:- أنا مثقف مشهور وستأتى الصحف بإسمى غداً صباحاً .
:- إذاً ننتظر حتى صبيحة الغد لنتعرف إليك رغم أننى لم أعد أقرأ الصحف .
سيدة جالسة تقرأ فى كتاب فى آخر الحافلة سأسألها :-
:- هل تعرفتى على أيتها السيدة المثقفة ؟
لم ترد على حتى فقط رمقتنى بنظرة متأففة هى الأخرى , يبدو أن النسوة جميعهن يتأففن .
:- وأنت أيها السيد المحترم الجالس بجوارها هل تعرفت على ؟
:- قال لك السيد الواقف بجوارك أصبر حتى الغد لنعرف من تكون .
لا فائدة إذاً يجب على أن أنتظر حتى صبيحة الغد , رغم أن الأمر لم يعد قابلاً للإنتظار . أكره العيش فى وسط غير مثقف ولا يهتم بالمثقفين , يبدو أن المدينة جميعها لا تعرفنى , يجب عليها أن تعرفنى , سأسأل المارة جميعهم :-
:- هل تعرفنى يا بائع الصحف ؟؟
لا .
:- صاحب متجر الملابس هل تعرفنى ؟
لا أعرفك .
:- البقال هل تعرفنى ؟
:- لا
يبدو أن العالم لم يعد يعرفنى,إنهم يجهلون من أكون , إنهم أُناس أغبياء ليس إلا , وغداً ستكتب الصحف جميعها عنى , وسيعرفون , ولكن من ينتظر حتى الغد , لابد أن يكون هنالك من أحد يعرف من أكون , الصحف لا تأتى اليوم .لابد من طريقة ما .
هل أنتحر ؟ حتى يعرفوا أن من مات شخص مهم ومثقف , أم أقوم بجريمة لا ينساها الناس , يجب على أن أحرق القصص التى قمت بكتابتها قبل أن أنتحر , لا يجب على أن أترك لهم أعمالى فهم لا يُقدرونى ولن يقدرون الكتب التى سأطبعها , إذاً سأحرقها حالاً , ها هى النار تأكلها , وسيندم الناس كثيراً على عدم تعرفهم على , ها قد تخلصت منها , ولم يسألنى أحد ماذا أحرقت حتى , ألم أقل أنهم جُهلاء ؟ .
فى صبيحة اليوم التالى إشتريت الصحف جميعها , كانت عشر صحف تصدر فى المدينة , إشتريتها جميعها , وظللت أبحث فيها بروية , أبحث عن إسمى , وياااااااا للأسف لم أجده حتى فى الصحيفة التاسعة , تبقت واحدة فقط وإن لم أجده سيكون وضعى سيئاً للغاية , هل الصحف نفسها لا تعرف المثقفين وكتاب القصص ؟ يا لها من صحف صفراء تهتم فقط بالأخبار السيئة ولا تهمها الأخبار القيمة كأخبارى أنا .
إذا ها هى الصفحة الأخيرة ,, يجب على أن أعثر على إسمى بأى شكل من الأشكال , الصحفى الذى أجرى الإستطلاع وعدنى بأن يكتب إسمى , أتمنى أن لا يخيب ظنى , لقد قال لى بالأمس حين سألنى فى الإستطلاع الذى قام به عن تردى الخدمات الصحية فى الحى عن ما هو الحل , فأجبته بأن على الحكومة أن تبذل جهداً أكبر بعمل مجارى صحية , وياااا للأسف , ها هو قال ذكر أقوالى دون الإشارة لإسمى ,فقط كتب (( أن أحد المواطنين طالب بعمل مجارى صحية)) ,, يا لبؤس الصحافة , دائماً ما تهدر حقى الأدبى .
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق