خرجت حبة عيشة سُميت عيوشة من مطمورتها وأخذت نفساً عميقاً كسجين طال به السجن لسنوات وقالت لعشيقها عيوش :- تعرف يا عيوش الدنيا دى رغم إنها ضيقة لكن فيها مساحات واسعة لى إتنين بيحبو بعض , ما مهم يطمرونا سنة ولا سنتين , إنت عارف قدرة تحملنا للألم أكبر من أى محاولة لطمرنا , نزلت دمعة متأثرة من عيوش وضمها إليه برفق نافضاً عنها غبار السنوات التى قضوها تحت التراب مطمورين .
قال لها عيوش حينذاك :- عيوشة غاليتى , لا تدعى الأيام تفرق بيننا , ربما نذهب فى شوالات عدة حين يقسمونا , عاهدينى أن لا نفترق عاهدينى ان لا نكون وجبة سهلة لهؤلاء , ألا يكفيهم حبسنا لسنوات عدة هنا دون تنفس حتى لو لم نكن نستنشق بعضنا كيف كان سيكون حالنا ,البشر ليس لهم قلب , يعتقعدون أن العشق خاص بهم ونحن مجرد أدوات فقط فى متناولهم , إن لنا قلوباً عيوشة , قلوباً تنبض حين تلمح عيوناً مثل التى لديك , هنا صاحت عيوشة :- دعنا نتمسك جيداً صاحبنا يقوم ((بضر)) العيش جميعه من أثر التراب العالق , دعنا نتمسك ببعضنا خشية ان لا نسقط خارج الدائرة فنكون وجبة دسمة لحمامة متشردة , وتعانقا وسقطا داخل جوال العيش فى بهجة يُحسدان عليها , تقاربها مع بعضهما منحهما بعض الدفء فى زمن الشتاء الآن , نزلت دمعة فرح من عيوش مسحتها عيوشة برفق بيديها اللدنتين ,وصارا فى مأمن من ان يقعا بالخارج وتوسطا جوال العيش خشية أن تقوم (فتاشة) ما بأخذهما كعينة للفحص غير المختبرى ولا يرجعها أبداً . وقال لها :البعض حين التجريب يأكلنا والبعض يرمينا بعد أن يستنشق رائحتنا , أستغرب حين يعرف جودتنا وكريم أصلنا من الرائحة , البشر أغبياء أحياناً رغم أنهم يتحكمون بنا .
بعد أشهر من العناق سمعت عيوشة خبراً , أن الغد سُيذهب بهم للسوق , تمنت بعد أن أدت صلواتها ودعت أن لا يذهبوا بهم نحو الطاحونة , وفى الصباح أتى صاحب العيش وفتح الشوال الذى كانت فيه عيوشة وعيوش وبعد أن أستنشق رائحته قال لأولاده :- الشوال دا ما تبيعيهو عيشو سمح خلونا نتيرب بيهو . هنا أصابت عيوشة هيستريا من الفرح على إثرها صح عيوش الذى كان نائماً حتى ذلك الوقت المتأخر وأخبرته بما حدث حينها ضمها إليه وأخذا يلعبان دون أن يزعجا العيش المتواجد حولهما وقال لها :- آخيراً يا عيوش حنتزوج ؟ .
ردت عيوشة :- تعرف يا عيوش دا يوم انا منتظراهو لى شهور طويلة , وكان نفسى تتقدم لى أمى وأبوى بس هم ماتوا يوم ولدونى وأخوانى الكبار إنت عارف انهم فى الشوال التانى الودوهو السوق , وكدا مافى واحد بيقابلك من أهلى , أطلب يدى مباشر منى , ( تطلقها عيوشة ضحكة ) , وتنطلق منهما سعادة لا توصف , فى صباح اليوم التالى أصبحا زوجين إثر قيام أبناء المزارع برمى التيراب فى المزرعة كان الجو جميلاً وممطراً يشبه أجواء العرس عند قبيلة الذرة وتم دفنهما فى الطين وقد شاءت الأقدار أن يكونا معاً , معاً ولا ثالث لهما حتى الشيطان , زوجها نفسه , وزوجته نفسها , وبعد يومين لاحظت عيوشة ان بطنها أصبحت كبيرة نوعاً ما , وأنها ستنجب , كان عيوش يجلب الماء من حبات الطين المجاور ويهبه لعيوشة , كانت عيوشة مدللة فى بيتهما , وتشكل حملها أخضراً خارجاً لسطح الأرض مستنشقاً الهواء ورائحة الدعاش , والماء الوفير , كان عيوش وعيوشة يراقبانه وهو يكبر ويكبر وكل يوم تزداد قوته وأصبح عصياً على الإنحناء فى وجه الهواء البارد والماء ,وبعد قرابة الشهرين فاجأ عيوش المخاض , لم تكن هنالك وسيلة للذهاب لمستشفى , فقط عليها أن تراقب , وعلى عيوش الذى يجلس على أعصابه أن يهدأ قليلاً فكل الأمور ستكون بخير , وخرج الصغار ذات صباح , كانت الفرحة كبيرة بمقدار غناء , ولكن الحزن أيضاً كان موجوداً , إذ أن خروج الصبية الصغار سيكون حتماً نهايتها وعيوش , أيام قلائل وستفارق الحياة , هى وعيوش , ولكنها سيكونون سعداء , لأن من أنجبوهم سيخلدون ذكراهم , فى مطامير الأرض الممتلئة , وسيظلون على الدوام يحكون قصة حبهم , تلك التى أنجبتهم , كان المنجل يقترب , لحظتها تلك , وقصهما وهم فى عناق .
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق