بعد أن تم بيع قنوات ري مشروع الجزيرة لمجموعة من الأثرياء.. ومنهم من كان في الحكم بدرجة وزير دولة ومنهم من كان مقربا لدى السلطة.. ومنهم من كان يشغل ذلك المنصب الحساس في الوزارة.. قاموا بدفع المبلغ الذي تم تحديده كاملاً ونقداً.. يُحوَل من أحد البنوك السويسرية والماليزية مناصفة.. وذلك لكبر حجم المبلغ.. وتم صرف العائدات ونصيب الفرد للمزارع بالدولار.. وذلك تحوطا من انهيار عملتنا السودانية وحيث أن الدولار قيمته السوقية ثابتة.. وقد وقَعوا إقراراً بأنهم استلموا كافة مستحقاتهم المالية.. وأنهم قد باعوا نصيبهم من أصول ري المشروع للأشخاص الثلاثة ((محور الشر)).. ولا يجوز لهم المطالبة بأي شئ بعدها.. واعتبار أصول الري للمشروع أرض محرمة عليهم لا يجوز لهم بأي حال من الأحوال المطالبة بأي شئ فيها. بعد أن اطمأن محور شر المشروع أنهم قد استولوا على المشروع وقنواته كاملا.. قاموا بعمل جلسة فنية بمصاحبة تلك المغنية الجميلة.. وأصبحوا يتراقصون وهم يُخفون لحاهم مع أنهم هم فقط من يحضرونها.. إذ ليس هنالك من يصبر ليستمع إلى ذلك الصوت إلا إذا كان مجبراً.. ومن هنا يتضح رداءة الذوق الفني لهؤلاء الثلاثة.. فكيف يكون لديهم ذوق إنساني؟. بعد طرد المغنية اجتمع هؤلاء يريدون أن يفكروا في طريقة يستردون بها أموالهم بسرعة فائقة.. هل يزرعون محاصيل هي نفسها التي كانت تزرع في الماضي.. أم يزرعون محاصيل جديدة مثل التفاح واليوسفي والعنب وبعض الفواكه الاستوائية وهم كما ذُكِرَ لا ينقصهم المال أبداً.. فقد ورثوا من الدولة ما يكفيهم ويكفي دولة أخرى كاملة. وقف شيخ عثمان قائلاً :- يا جماعة نحن نقوم نعمل المشروع منطقة سياحية.. وبما أنه المشروع كبير نقوم نعمل فيهو ملعب للغولف وبي كدا حيجونا كل لاعبين العالم.. ونعمل دورات وشركات تجي ترعى بدل ما كانت البهائم ترعى.. أها رايكم شنو؟؟ تلفت شيخ الزين يمنة ويسرة ومن ثم قال :- يا جماعة هوي.. والله نحن ناس زراعة.. وغير في الزراعة ما بنفهم.. دحين خلونا نزرع لينا حاجة نستفيد منها بدل ما نقعد نَنَظِّر ساي... حاج البكري قام مؤيداً لفكرة شيخ الزين.. وطلب منهم أن يقوموا بتصليح قنوات الري.. ومن ثم يطلبون من المزارع أن يدفع التكلفة آخر العام لهم.. وليس عليهم سوى أن يطلبوا من الحكومة أن تسن قانون وتتم اجازته من المجلس الوطني.. وهذا الأمر لن يأخذ أكثر من شهر.. وكلهم سيوافقون بالإجماع. حاج عثمان ود جلالة ابتسم.. وقهقه.. وضحك.. وخلف رجلاً على رجل.. توقف الباقين ليسألوه عن سر ضحكته وقهقهته.. مالك أحاج؟ :- كد أقعدوا لي في الواطة دي. :- أها اتحكرنا يلا قول.. :- يا ناس هووووووي :- أها ياخ :- أنا عندي ليكم الحل :- أها الحل شنو قول الله يرضى عليك.. :- افتحوا لي أضانكم دي كوييس واسمعوا كلامي دا.. :- يا زول والله ساكتين تب بس ات قول.. :- يا جماعة نحن السنة دي نقنع منها وما نزرع.. :- دا كلام شنو يا حاج ؟؟؟ :- زي ما بقول ليكم.. وكمان نقول للحكومة توقف الاستيراد وتفتح باب التصدير.. وعارفين الحكومة ما بتقول حاجة وحتوافق على طول.. :- والله مانا فاهمين شئ.. :- أفهمكم.. :- أها.. :- لما نقول للحكومة ما تستورد الحبوب يبقى الشعب بياكل من النصيب بتاع السنة ألفاتت.. ولما نقول ليها أفتحوا باب التصدير يبقى الشعب حيصدر نصيبه.. وبي كدا خلال سنة واحدة الشعب كله يجوع وحيجينا نحن عشان نأكله.. :- طيب الناس لو زرعت بي موية المطر نعمل شنو؟؟؟ :- الخطة جاهزة برضو.. :- خطة شنو آحاج.. :- نحن نستورد بيوت محمية.. يعني نحاول نغطي كل أراضي المشروع عشان ما يجيها المطر وموية المطر.. ونقنع الناس إنو موية المطر أصبحت حمضية.. يعني نقول ليهم إنو عنصر الكبريت متوفر بكمية كبيرة في موية المطر ودا كله بسبب أمريكا وإسرائيل.. وانتو عارفين الشعب بتاعنا أي حاجة فيها أمريكا وإسرائيل بيقتنعوا بيها على طول.. :- اها وبعد كدا البيحصل شنو.. :- كله اترتب.. :- كدي كلمنا طيب.. :- أنا اتفقت مع شركة يابانية أمريكية صينية.. يعني شركة عابرة قارات عشان تجي تعمل لينا نظام ري حديث.. :- اها.. :- الشركة دي قالت عايزة ليها سنة واحدة.. تجي تشيل النظام بتاع الري القديم دا وتعمل لينا واحد جديد.. وبعد سنة واحدة النظام يكون جاهز وبعد كدا نتحكم فيهو.. النظام هو أول نظام يتم تركيبه في العالم.. آخر ما إتوصلت ليهو التكنولوجيا.. نظام التشفير.. :- التشفير ؟؟؟؟!!!! :- أيوا نعم نظام التشفير.. :- والله ما فهمنا أي حاجة.. : - نظام التشفير هو نظام لتشفير قنوات الري.. مش بتعرفو تشفير القنوات في التلفزيون وما تُشاهد إلا بقروش.. :- آي بنعرفها.. :- طيب دي نفسها.. يعني نقوم نعمل المويه برقم سري.. ويمكن بكروت.. مثلاً عندك حواشتك السقية الأولى لازم تشتري كرت بي 300 جنيه.. والسقية التانية بي 250 جنيه.. عندنا فئات صغيرة بي عشرة جنيه تستخدم للرقاعة وكدا.. وحنقوم نربط الري بالأقمار الصناعية.. يعني لما تجي تمسك الموية لازم تكون في اتجاه القمر.. وعندك بعد أفقي ورأسي.. ولازم يكون في تردد كمان.. تحفظ بيهو حواشتك.. وبي كدا نكون بنطلع في حقنا أول بأول.. وكمان في حاجة مهمة شديد.. :- أها قول.. :- طبعاً موية المشروع عندنا منها نوعين.. النوع الأول موية الصحة.. مش في موية الشراب اسمها موية الصحة.. أها دي برضو اسمها موية الصحة.. بس بتفرق لأنها دي بنخلطها بي المخلفات الزراعية والحيوانية والانسانية وهي أكثر خصوبة.. والنوع التاني أقل خصوبة وهو الذي يأتي من النيل مباشرة.. ومميزاته أنه يأتي مصحوباً بالطمي.. طبعاً النوع الأول أغلى عشان كدا لازم نربي حيوانات عشان نستفيد منها في المخلفات وكدا.. بعد عام تم تطبيق النظام الجديد للري.. وأصبح الناس يتحدثون عن النظام الجديد بكل فرح.. لأنهم سيزرعون بدون خوف من انقطاع المياه.. ولاحظ الناس الزحمة حول دفع الاشتراكات للاشتراك في القنوات.. بعضهم يشترك لمدة عام.. والبعض الآخر لمدة خمسة أعوام.. والبعض الآخر يشترك في باقة شهرية.. وتم صرف ريموت كنترول لكل مزارع بحيث يتحكم في المياه من منزله بواسطة شاشة عملاقة تم تركيبها في منزله.. وبذلك صار المزارع أكثر الفئات في الشعب السوداني راحة في حياته.. بل أن البنات أصبحن يغنين في المزارع ويفضلنه على الدكتور.. لأنه سيتواجد معها طوال حياتها وليس كما كان في السابق يلتقيان في المساء فقط.. وانتشرت الاغنية التي تقول :- أنا ما بدور الدكتور.. بدور مزارع الكنترول يا عيني أنا.. ولاحظ الناس اختفاء المشاكل التي كانت تحدث بسبب الاختلاف في من يروي حواشته أولا.. وأصبحت هنالك حرب سرية بين أبناء المزارع يتم فيها استخدام الهاكرز وغيرهم من المبرمجين ومن يكسرون الشفرات لقنوات الري.. بدلاً من أن يكسرون الترع في سابق العهد.. وانتشرت ثقافة الزراعة في وسط المجتمع السوداني.. ورجع المغتربون إلى الجزيرة.. وأصبح أبناء الشهادات العربية يحبذون دراسة الزراعة بعد أن كانوا يحبون الطب والهندسة.. وهنا أصبح الفقراء يشكون من إرتفاع نسبة القبول لكلية الزراعة.. وقد قالوا بأنها أصبحت خاصة بالطبقة الراقية فقط والطبقة المخملية.. وبعد فترة تغيرت حال المزارع إلى الأفضل.. وتغيرت حتى الأمراض التي كانت تصيبهم.. كانوا يصابون بالبلهارسيا والملاريا.. فأصبحوا يصابون بأمراض راقية جدا.. انفلونزا الطيور.. سارس.. تفككت أخلاقيات الناس فأصيبوا بمرض ال AIDS أصيبوا بأمراض أخرى في أخلاقهم.. اصبحوا غرباء عن بعضهم لا يعرف الجار جاره.. وبعد فترة.. اقترب الحصاد.. تبقى شهر واحد فقط.. المشروع يحتاج لسقية اأخيرة سقية واحدة والحصاد ولكن من أين؟! المزارع لا يمتلك حق الكرت ذهبوا إلى مكتب التشفير يطالبون بآخر سقية ليحصدوا أين الأموال لفك التشفير ؟؟؟؟ لا توجد أي أموال !!! سوف يتم فك التشفير ولكن بشرط!! ما هو الشرط ؟؟!!! أن تقوموا برهن المزارع والحواشات.. آخر سقية تحتاج لمبلغ باهظ ثلاثة ألف جنيه جديد ثمن سقية.. وهى ملبنة سقية ويطلع الفريك سقية سقية سقية وافقوا على مضض أن يرهنوا مزارعهم.. لكن صاحب الأمر غير فكرته.. أن يرهنوا البيوت أيضا.. وافق المزارعون كلها عدة أيام ويحصدون ويسددون ديونهم ويفرحون بالعائد الكبير.. تم فك التشفير بعد أن وقعوا على رهنهم.. مزارعهم ومساكنهم.. قرر أحد رؤساء المشروع أن يحرق محصولهم.. صب مبيداً يحرق مشروعهم في ماء المشروع.. صحى أحد المزارعين صباحاً متوجها إلى مزرعته لتسر عينه.. لكنه لاحظ شيئاً غريباً كل المزارع أصبحت جرداء تحولت الخضرة إلى عبس.. المزرعة تعبس في وجه صاحبها.. لا محصول يحصد ولا بيت يأويه حتى الموسم القادم ليعوض ما ضاع.. منه العوض وعليه العوض... قبل أن يصل إلى منزله شاهد أهل القرية وهم خارجون منها.. كلهم رهنوا مزارعهم ومنازلهم.. لا يوجد لديهم شئ هنا.. عندما وصل إلى بيته وجد أم العيال وهي تلملم حاجياتها.. ولم يتبقى لها شئ.. خرجوا جميعهم وفي قلوبهم غصة.. تراهم والدموع تسيل منهم.. ودموع الفرح تسيل من ثلاثية الشر التي أبعدتهم.. أصبحت أرض المشروع خالية.. بلا سكان أصبح المشروع بلا أخلاق.. أصبح الآن بإخلاء فقط.. لمن كان هناك.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق