الثلاثاء، 23 فبراير 2010

_____________ كنبو 9 __________________







كآبة حطت على منزل الهميم, بعد أن فرقت الظروف ما بينه وبين بنت عمه فاطمة , كان هو حلاوة البيت , كان المسير لكل ظروفه , عند مرض أحدهم تجد الهميم وقد تصدى لكل ما يحتاجه , يقوم بإيجار العربة التى تقله للمستشفى , يقابل به الطبيب , يدفع الفحوصات , ويدفع العلاج , جميع النفقات كان يقوم بها كانت تخصم مما أدخره ليقوم بتأسيس بيت يأويه , ليس لأهل بيته فقط بل لجميع من يحتاج المساعدة تجده يمد يده فىهميمية يُحسد عليها , إستحق بذلك إسمه (( الهميم )), ليس إبتغاء الشكر بل كواجب يراه هو , أنه المسئول عن الكثيرين من ألأهل والأصحاب والجيران .


كان يخدم الصغار والكبار على حد سواء , أذكر أنه فى عزاء الحاج الأمين كان هو من غسله , وهو من ساعد فى حفر القبر , وهو من أوصل الخبر للقرى القريبة , وأتى بصيوانات العزاء لم ينم طيلة يومين , إضطر لذبح الغنم التى كانت له , تكريماً للضيوف , الذين ظلوا يتوافدون على مدى يومين دون إنقطاع حتى الصباح , مما أوقعه من طوله , وتم تشخيص علته تلك بأنها مرض الملاريا اللعين . كان يوم الصدقة هو يوم فقد الهميم وقد لاحظ الناس جميعاً ذلك , فرؤياه لا تُخطئها العين أبداً .


فى الزواج كان أيضاً هميماً , يقوم بكل الترتيبات الخاصة بذلك , نعم ويدفع من ماله أيضاً .


سنوات مرت على الهميم وهو لم يستطع أن يبنى غرفة واحدة , غرفة حلم بها أن تكون مأوى له ولزوجته فاطمة , لا يحلم بفيلا خاصة , ولا شقة فى عمارة متطاولة البنيان , ولا بحوش به باب خارجى للسيارات , ما أن يجمع الهميم مبلغاً كبيراً ويقترب من تحقيق حلمه حتى تمر عليه ظروف غريبة , يُنفق فيها ما أدخره , عرض عليه الكثيرين من ميسورى الحال أن يبنوا له غرفة ولكنه رفض , به إنفة جعلته لا يمد يده لأحد حتى لو بات القوى .


لم يكن الهميم مثل أبناء جيله , كان الكنبو بجانبهم , كنبو 9, يشربون كثيراً ويأتون آخر الليل , كل ما كان يفعله هو أن يصحى من نومه الساعة الثانية صباحاً عندما يسمع صوت أحدهم مترنحاً من أثر السُكر , فيقوم بأخذه ليوصله بيته , يُشاركهم الهم , ولا يُشاركهم الطريقة التى يعالجون بها همهم , كلما يسأله أحدهم ( اها الحال كيف ؟؟؟)) يُجيب ((خليها على الله )) ,,العرس متين يا الهميم ..؟؟؟ خليها على الله , البيت بتبنيهو متين ....؟؟؟؟ خليها على الله ..


كان مؤمناً تماماً ان الله وحده هو المُسير للحال , لا أحد غيره , لا الظروف التى تحدث عند قرب إكتمال فرحته , او ( الكادوك ) كما أسمى حالته بعض الظرفاء .


فاطمة , تلك البنت الخجولة , ذات العشرين خريفاً , تشبه الخريف فى خضرتها ونماءها , وخيرها حين تمر على الناس , بأسنانها البيضاء التى تشبه البرق كما يقول الهميم , وعيونها الواسعة وجسمها الفاخر , وبطنها الضامر , وضحكتها التى يصمت الآخرون حين تخرج منها , كانت فاطمة , فاطمة لكل ما هو قبيح فى عالمها, كانت فاطمة , حلم الهميم , رغم إنه لم يخبر أهلها , لكنه لم ينم عندما تمر ذكراها , كان يحمل لها حباً ولكن لا يعلم به غيره , كان يتألم , يخاف من أن تكون لغيره , كم مرة حدثته نفسه بأن يخبرها , بأن يقول لأهلها أنه يريدها زوجة فى الحلال , ولكنه يؤثر الإنتظار حتى يكتمل البيت , من عادات القرية ان الشخص الذى يُريد أن يخطب لابد أن يكون مالكاً لبيته , لذلك أنتظر .


فى مرة من المرات أغروه أصدقاءه بأن يذهب للكنبو , كنبو 9 , وعدوه بأن لا يشرب , وأنهم سيمنعونه من الشرب إن نوى هو على ذلك , ولكن لم يتمالك نفسه فى الشرب فى ذلك اليوم ولأول مرة فى حياته , وبعد أن أخذ الشرب به حدثهم عن رؤيته لسارقة عقله وقلبه فاطنة كما يقول هو , وأنشد قائلاً :-




فاطنة الديسها واصل فى الضهر للآخر


فاطنة يا جسيمك اللين ومظهره فاخر


فاطنة بريدها مجنون بى بطينها الضامر


مرورك يشبه القمر اللى عيونى انا جاهر


وبى ضحكك لو كان مريض فد مرة قائم طافر


مشيك يا السمحة زى مشى الغزال النافر


كان شافوك خواجات يامنو ما بيفضل كافر






كانوا جميعهم فى عالمهم الخاص , فلا يدرون ماذا قال صاحبهم الهميم , ولا بأى شئ نطق , كان عالمهم هناك فى كنبو 9 . به يغيبون عن عالم الحقيقة , حقيقة أنهم محاطون بأسوار تُكبلهم , أسوار العطالة , وعدم التعليم , والفقر المُدقع , جنيه واحد يُنسى كل ما بهم , فى كنبو 9 .


صبيحة اليوم التالى كان قدوم غُرباء عن القرية , غريب أتى لخطبة فاطنة , كان إبن خالتها من المدينة , كان يعيش فى الغربة , أتى فى إجازة قصيرة , كان يمتلك بيتاً , , كانت فاطمة صغيرة على الزواج وعلى الغربة , كانت تحلم برجل مثل الهميم , رجل يحبه الجميع , ويخدم الجميع , ويحترمه الجميع , رغم الفقر , كان هو من تحلم به , بأن تعيش معه فى بساط فرحه السرى , كانت تعلم أنه يحبها , كان باطنها يقول لها ذلك , ولكنها العادات , لا يستطيع أن يبوح بحبه لها , يمكن لما بعد الزواج أن يقول كل شئ , أن ينشدها أشعاراً تكسوها , تعيش يوماً على صوته , على رجولته , على كبرياءه , لا يهم ماذا تأكل عنده , ولا كيف سيكون هندامها , سيكون هو مغطيها , هو كاسيها من وحشة البرد والصقيع , بدفء حنيته , بنار لاهبة من قلبه .


كان الفرح هو سيد الموقف عند أهل فاطمة , جميع الرجال , أتوا مُهنئين , والنساء , تمت الخطوبة وقرر الأهل أن يكون العقد فى المساء , على عجل كان زواج فاطمة , لأن الزوج سيُسافر بعد إسبوع ولا سبيل للإنتظار , والبنية لازم تنستر .


كان الهميم , فى غصته , غصة تطعن فى جوفه , بكى دماً ولكن لم تشفع له , لم يتسنى له الإعتراض , ولم يستطع أن يُخبر أهله بعِظم ما حدث له .


كانت يكتوى من زواجها المفاجئ , لم يتركوا له فرصة ليبنى بيته , ليقول كلمته , الهميمية وحدها لا تُزوج , وحب الناس لك ولهم لا يُنكحك ممن تود أن تكون برفقته , يجب أن تكون لنفسك , الإحترام ليس ما يُبحث عنه , ولا التقدير , يجب أن تكون من الذين يبنون بيتاً , ويمتلكون ملكاً عظيماً حتى تنال أُنثى مثل فاطمة , هكذا تحدث خيال ما مع الهميم .


كان الهميم فى بيته , والجميع هنالك يفرحون , كانت فرحة الزوج لا توصف , ودموع فاطمة لا تتوقف .لاحظ والد فاطمة غياب الهميم لأول مرة يحدث , لأول مرة لا يُرى الهميم , يقوم بالواجب كعادته , أرسل له عساه يكون لا يعلم
, قال لمن أرسله
:- قول للهميم الليلة دايرين نعقد لى فاطنة , فاطنة أختك , تعال يا الهميم , منو الغيرك بيكفى ضيوفنا , ومنو الغيرك بيفرح لى فاطنة , تعال يا الهميم انا فى رجاك والحلة كلها فى فرح .


بى سرعة كان جية الهميم


, كفى الضيوف ,


ضبح المُراح ,


غسل بى إبريقه الإيدين


إيدين عريس


ما فيها حنة ولا حريرة


وبيشبه المرة فى الحداد


عاينلو من طرف الهميم


والحرقة كاتلاهو وحزين


نزلت دموعو


وغرّقت


فى اللحظة عينه اليمين


والعبرة خانقة وما نطق


شاف العريس


من بره مظهره من ذهب


لكنه فى قلبه أكيد هو طين


كيفن يا عمى تبيع بنية


كيف ما بتطبقوا فيها دين


شاوروها فى عرساً مسيخ


ما ترضى بى حالاً مشين


وغنوا البنات


كم أغنيات


( يا ام العروس


شوفى السيرة جات


جابو ليك دهب


رصعو الساعات


ما هو زول سكر


عريسنا يا الراحات ))


وبشر الهميم


وزغردن أمات


عقبالك يا الهميم


تحقق المراد


تقطع الرحط


تنسى كل الفات




وكفى الهميم الضيوف , وجلس مع الزوج , حتى أتت زوجته , فاطمة , لقطع الرحط , أراد الهميم أن يذهب من هذا الموقف , ولكن العروس أصرت أن يكون حاضراً , كانت تعلم بعذابه , وفى قطع الرحط لم تترك زوجها ليقطعه , بل ذهبت وأخذت يد الهميم , قطع الهميم الرحط , وقطعت قلبه سكاكين , وأخذت تأكل فى لحمه , وأخذ يُسائل نفسه , كيف يفعل هذا ؟؟؟ كان بلا شعور حين فعل ذلك , كان غائباً عن نفسه , خرج وسط الزغاريد من بعضهن , وسط الدهشة على وجوه بعضهن , خرج الهميم , لم يبحث عن أصحابه , بل ذهب دونهم , إلى مكان رأى أنه يمكنه النسيان فيه , ذهب إلى الكنبو , كنبو 9 , وجدوه هنالك , مُغيباً , وغائباً , ولكن ,,, هل يمكن لكنبو 9 أن يُنسيه ما حدث ,, أنشد مرة أخرى :-






فاطنة الديسها واصل فى الضهر للآخر


فاطنة يا جسيمك اللين ومظهره فاخر


فاطنة بريدها مجنون بى بطينها الضامر


مرورك يشبه القمر اللى عيونى انا جاهر


وبى ضحكك لو كان مريض فد مرة قائم طافر


مشيك يا السمحة زى مشى الغزال النافر


كان شافوك خواجات يامنو ما بيفضل كافر






كان الهميم يصحى من عقله , ليعود مرة أخرى لتغييب عقله , مات جده ولم يذهب للعزاء ولا للإهتمام بمن يحضر , تزوج صديقه ولم يشاركه , مرض الكثيرون , بعضهم لم يجد ما يتدواى به, كان الهميم بعض الدواء بمشيئة الله , أصبح فى غياب دائم , بعضهم قال أن الهميم قد أصابه الجنون , وبعضهم يقول أن الهميم أصابته عين ما , لم يدركوا ماذا حدث, إلا كنبو , كنبو 9 , هو وحده من يدرى ,,,,








إحتراماتى وبشدة

العاقب مصباح