الاثنين، 3 يناير 2011

ظلى


أذكر فى إحدى النهارات الحارة أن كان معى يتجول مطرقاً رأسه لا يلوى على فراق , كنت متجولاً بالقرب من مركز تجارى أبحث عن ضالتى فى شراء بعض الألبسة لى , كان معى يحرك رأسه يمنة ويسرى كمن يتحسر على سوء حالى وعدم قدرتى على ذلك , لم أكن أشكو للناس ولكنه كان يعلم , الظل يتفهم أحياناً لغة الجسد . أستاء كثيراً حين أجده معى فى أمكنتى السرية للسرقة , أو لخدعة بعضهم , رغم مظهرى الجميل وبدلتى الأنيقة الوحيدة لم أكن أحمل فى جيبى غير بطاقة منتهية الصلاحية لإثبات هويتى فى حالة وفاتى , غير ذلك فهى ليست بذى فائدة . ولكن ظلى لا يحمل شيئاً غير أطرافى وبعض الحسرة يتأبطها رغماً عنى , لم أكن أحبه ولكنه ظلى على كل حال لذا لم يكن من خيار لفراقه . لظلى بعض الأفعال التى تضرنى , أذكر مرة ان كنت أمد يدى نحو إحدى الجيوب المنتفخة لشخص ساذج يلبس جلباباً شفافاً وتظهر من بين ملابسه كومة أوراق العملة , مددت يدى , ولكن ظلى تقدم نحوى ببضع خطوات , كان الوقت يتجاوز إنتصاف النهار بساعتين تقريباً لذا كان طوله أكبر منى , لذا لم تكن مساعدته لى على وجه أكمل رأى صاحب الجلباب الشفاف الظل يتقدم نحوه , فأمسك بيدى وفر ظلى هارباً كطفل من عقاب ووحيداً جداً تم فضحى , بدون ظلى , تعرضت للضرب منه ولم أفق إلا مساء وحين نظرت لظلى لم أجده الظل يهرب من الظلمة أيضاً وكأنه خفاش يبحث عن حياة الليل وحده . عقدت العزم على فعل شئ أبعد به ظلى عنى , ولكن كيف ؟ هل أتجول ليلاً عندما يغيب ؟ إنها فكرة صائبة , منذ اليوم لن أخرج فى الشمس , ستكون يا ظلى مترقباً خروجى , ستكون عند باب حجرتى ولن أخرج إليك , سأجعلك تعانى من الوحدة , ستقضى أياماً وشهوراً وسنيناً , ولا شك سيُصيبك الضجر من إنتظارى كما أصابنى اليأس من وجودك معى , منذ اليوم سأعيش بلا ظل , نعم بلا ظل حتى لو لم أخرج من بيتى نهاراً طيلة عمر . كنت أراقبه من بين النافذة , كان يجلس وحيداً يحاول تارة أن ينظر من بين فتحات الباب وحين يجدنى نائماً يأخذ نفساً عميقاً ثم يعود لجلسته المعتادة ملتصقاً بالحائط . فرحت كثيراً فى يومى الأول إذ لم يكن ثمة ظل معى , كنت وحيداً مددت يدى لأتأكد من عدم وجوده معى , لم أراه , رجلى مددتها ولم أراه , وقفت ولم أراه , يا لجمال الحرية , أن تكون لوحدك , تفعل ما تشاء لوحدك , أجمل الحياة تلك التى بلا ظل , بلا ظل يحاصرك . فكرت فى تدخين سيجارة , جلست بجوار النافذة , كان الدخان يهرب للخارج , راقبت دخان سيجارتى , لعل ظلى يهرب معه , ها هو يتحرك , إنه الظل , ولكن ليس ظلى , للدخان أيضاً ظل ,ظلى لم يتحرك ولم أراه , على الأقل سيكون فى قيلولة من أثر الليل الفائت . خرجت مساء , وحدى خرجت , بعد أن تأكدت من أن الوقت قد حان له ليسافر بعيداً عنى , لا شك أنه سافر لدولة أخرى لم تكن الشمس فيها غائبة , سمعت من (ظلى ما ) أن الظل يسافر أيضاً , وله جوازات سفر , وتأشيرات , وعمالة وافدة , وقوانين هجرة , ورقيق أبيض , وسخرة , وظلم وفى بعض الأحايين لديهم سفارات .يبدو أن الهجرة ليست فقط حكراً علينا , قالت لى ((ظلية)) يوما ما أنها حين أرادت السفر طلبوا منها محرم , ولما لم تكن متزوجة فقد كتبت على ظهر جوازها إسم بشر , متزوجة من بشر , وسافرت كما ينبغى لها , كانت صاحبة الجسد الظلى تطل بين فينة وأخرى على دارى , يبدو أن لظلها قصة غرامية مع ظلى . آه سأخرج بيقين يا ظلى , ولن يُقبض على مرة أخرى بسبب أن يدك أمتدت قبل يدى لتخبره بأمرى , وسأدخلها فى جيب أحدهم وستخرج بيضاء من غير سوء , وجدت الحافلة مكتظة بالبشر , وهذا هو الوقت المناسب لعملى , وفى زحمة من البشر الطبيعين أدخلت يدى مرات عدة , ولم أجد سوى بعض العملات الصغيرة , يبدو أنها قادمة من إحدى الأحياء الفقيرة وإلا لم تكن جيوبهم فارغة على هذا النحو , ليست مشكلة , الأيام قادمات لأكون بلا ظل ولأكون فى ثراء من الجيوب الممتلئة بالأوراق النقدية , نظرت فى مقدمة الحافلة , رأيت كرسياً فارغاً , وحين أقتربت كان يجلس به ظل ما , بسرعة طلبت من سائق الحافلة أن أنزل , بسرعة قصوى , كان تصرفى جنونياً بعض الشئ ,خوف أن يكون ظلى ويدلهم على مهنتى , ولكن نزولى المفاجئ كان دليلاً آخر , أحدهم طلب من السائق عدم الوقوف حتى يتفقد كل منهم محفظته , وحين لم يجد الشخص الذى سرقته محفظته أمسكونى من يدى وفتشوا جيبوبى ووجدوا محفظته عندى , تم ضربى كثيراً هذه المرة , ولكنهم كانوا أكثر رأفة حين لم يسلمونى للشرطة , نزلت فى مكان نائى , وهممت بالرجوع لبيتى يبدو أن الأمور لم تسر بخير , وأن جسدى لم يعد مهيأً لتقبل ضربات أخرى ولكمات , وظل يجلس بجوار سائق فى مقعد فارغ . فى أثناء سيرى نحو منزلى سمعت صرخات ضحك متتالية , إنهم يسخرون منا , يسخرون منا نحن البشر , كانت معهم نسوة , وضحكاتهن ماجنة , قررت أن أقترب منهم , ولكن وجدت ما لم أحبذه , إنهم الظليون , ولم تكن تلك الضحكات سوى لزوجاتهم , الظليات . كُن جميلات بتناسق أجسامهن الظلية , إختفيت من النور الذى يعم المكان وراء إحدى الجدر خوف أن يكون ظلى معهم , كانوا يلعبون ويحكون نودارنا نحن البشر , قال لهم كبيرهم الذى علمهم الظل :- قريباً جداً سنحكم البشر , وسيكونون تابعين لنا نحن , آن أوان التحرر وسنُنشئ دولة ظليان , ألا نستطيع . سمتعهم يرددون خلفه :- نعم نستطيع , نعم نستطيع , نعم نستطيع . وقال لهم بعض ان صمتوا :- البعض منا يعانى , من كثرة تعذيب البشر لنا , من هجرنا , بعضهم أصبح لا يتحرك إلا فى الظلام , ولا وجود لنا نحن فى ظلام , ليت الشمس مشرقة على الدوام . ظل صغير يبدو أنه فى العشرينيات من عمره, كانت يده مبتورة , لذا لم يكن يشارك برفع يده حين كانوا يهتفون, قال لهم رئيسهم فى آخر الأمر :- سنقتل كل (بشرى) يعامل ظله بقسوة سنرديه قتيلاً إن تجرأ وعاش بلا ظل , الناس يعرفون أن لا بيت لنا , لذا من لم يدعنا ندخل إلى بيته سيكون مصيره مشؤوماً, علا الهتاف , وزغاريد الظليات , إنفض سامرهم , وذهبت كل ظلية مع ظل لمآواهما , حين إنطفأ النور , وذهبت انا مواصلاً سيرى المخيف . تُرى هل سيقتلوننى ؟؟ ماذا فعلت حتى يفعلوا بى ذلك , ظلى معى مُذ ولدت , ألا يتركون لى حرية أن أكون لوحدى بقية عمرى , أتمنى أن يختفى منى نهاراً واحداً , لدى خصوصيتى التى لم يحترمها ظلى , أحتاج للتأمل , للتفكر , وللتدبر , وكل هذا لا يكون وظلى معى , ولكنهم سيقتلونى على كل حال , يبدو أن لا خيار لدى , لابد من تقبل الأمر , وليس هذا فقط بل لابد من أن يكون صديقى المقرب حتى يحمينى منهم , الظليون قاتلون . حين وصلت لبيتى حاولت إشعال الفانوس فى وسط الغرفة , ولكنه لم يُضئ , أُريد أن أضيئه بأى حال حتى أتأكد من أن ظلى معى ولم يهرب منى , أحتاجك فى هذه اللحظة يا ظلى , عد لى يا ظلى , أشرقى يا شمس حتى أراه , فى شوق لا يوصف لك يا ظلى العزيز , وحين باءت محاولتى بالفشل نمت وحدى , بلا ظل , وبمخاوف فقط . فى كل مرة أرفع رأسى رجاء أن يكون الوقت صباحاً ولرؤية ظلى , وفى كل مرة أجد أن الليل هو ما يستمر معانداً لى رغبتى فى رؤية ظلى , بعدها خلدت لنوم عميق , صحوت ونظرت لساعتى كانت تقترب من العاشرة , إبتسمت لأن الشمس ستكون فى مكان أنيق لرؤية ظلى , تثاءبت وخرجت ناحية الباب , ولكن ,, كانت الشمس فى غياب فى هذا اليوم , سُحب كثيفة تُغطى السماء , حجبتها عنى ,, لما كل هذا أيتها السحب , أفى هذا اليوم يحدث كل هذا , لم يكن هذا هو فصل المطر عندنا , تبقت ثلاثة أشهر حتى تهطلين , لما كل هذا ؟؟ وانا أرجع مرة أخرى صوب الباب أردت التأكد من أن السحب متحركة حتى أعود مرة أخرى , لمعانقة ظلى , وحين نظرت عرفت ما يحصل , لم تكن تلك سحب , على الإطلاق , كانت تجمعات ظل , يبدو أنها تمردت , وصعدت نحو السماء لتحجب الشمس عنا , لتتركنا بلا ظل , كاد قلبى أن يصٌعد نحو السحب الظلية , كاد أن يتحول لسحابة معهم , كنت أرتجف , ويداى ترتجفان ولكن بلا ظل . دخلت لحجرتى ووجدت حركة دائبة فيها , بعض نسوة الظل هنا يرتبنها بعناية فائقة , ويطلقن البخور , كُن يشتغلن بحركة ونشاط لم أعهدها فينا نحن البشر , وحين حاولت أن أبتسم شاكراً لهن زجرتنى إحداهن وطلبت منى أن أغادر حالاً , ظلى سيأخذ مكانى , يجب على أن أبحث عن مكان ما لنفسى , إنه سيتزوج اليوم ظل أنثى أتيت بها يوماً سراً إلى هنا , ألا تذكرها , كانت رشيقة تتمخطر فى خيلاء , أعجب بها ظلك , وسيتزوجها , لذا أبحث عن مكان آخر , هذه الأمكنة للظليان , أهرب حالاً , وهربت وتركت لظلى بعض الخصوصية , تلك التى كنت أبحث عنها حين تركته , وها هو يحصل عليها فقط حين تركته انا . وخرجت منكفئاً على نفسى , تطاردنى لعنات تضجرى من ظل , وخرجت لأول يوم فى عمرى بلا ظل حين نهار.


إحتراماتى وبشدة


ليست هناك تعليقات: