السبت، 30 يناير 2010

ذات البشرة البيضاء






كان فقيراً جداً.. بدأ حياته الثرائية من العدم.. تحول من فقر فاضح إلى ثراء فاحش.. كان يؤمن بشيء واحد.. وهو أن الأموال يمكن أن تصنع الكثير.. و تُحقق له ما يريد..

لم يكن يعجبه لون بشرته السمراء الداكنة.. ودائماً ما تُُسبب له إحراجاً بينه وبين نفسه حين يلتقي بأصحاب بشرة بيضاء.. ويشعر بأن أمواله لم تُضف إليه شيئاً.. حين لم تُغير من لون بشرته شيئا.. كان ضعيفاً بإيمانه بنفسه.. وكان لا يمتلك ثقة كافية تعبر به نحو ضفة أخرى من تكوين شخصيته.. تعرف إليها حين كان ذاهباً بسيارته نحو بيته فتاة في بداية عشرينيات عمرها تحمل في بشرتها ما يبحث عنه, وفي قامتها ما يسكره.. أشرت له بيدها.. توقف بسرعة.. مدت له يدها بالسلام.. صافحها بليونة.. وغمزت يده بضغطة لها ألف معنى..
لم يستطع الحوار معها.. زادت ضربات قلبه في الخفقان.. بشرة بيضاء بجانبه.. ترتدي بنطلوناً من الجينز.. وبلوزة ضيقة بما يكفي.. كان ذلك بعد خلعها عباءتها الساترة لها.. أخذت صحيفة في السيارة تحرك بها الهواء يمنة ويسرى.. كأنما تشكو الحر.. رغم أنه قد قام بتشغيل مكيف السيارة..
أخذ ينظر لها بتخف.. وبنظرات خاطفة.. بلوزة نصف كم تظهر ما خفي من اللون.. وتُحدث عن ما يمكن أن يكون في بقية أجزاء جسمها.. يكاد لون بشرتها يعكس صورة أخرى بجانبه.. ولكن ليست صورته..
أفردت شعرها وكأنها تنفضه بعد أخذ حمام ساخن.. لم تتطاير منه قطرات الماء.. ولكن تصاعدت منه رائحة رائحة تعمدت أن تصل إليه..
:- ألا يشعر هذا الرجل.. ألا يمتلك ذرة من رجولة.. أفعل كل هذا وهو صامت لا يُظهر أي ردة فعل!
كانت تحدث نفسها بين كل حركة من جسمها الغض الطري.
:- هل ترضى هذه الفتاة الصارخة اللون بي.. و تتزوجني.. سأكون أسعد شخص في العالم.. لن أدخر جهداً في سعادتها.. سأعطيها كل ما تملك سأحقق لها ما تحلم به.. يبدو أنها طالبة في الجامعة.. ستكون مخطوبة لا محالة.. فأنثى مثلها يستحيل أن تكون حرة وبلا رجل خاطب لها.. كان يخاطب نفسه أيضا..
ً:- لم يسألني هذا الوقح عن مكاني الذي أود الذهاب إليه.. أيكون قد فهمني دون أن أتكلم..
:- إلى أين تذهبين يا آنسة ؟؟؟
:- إلى بيتك.. امممم إلى بيتي ..!!!
:- ههههه.. أتمنى لو يكون بيتي أنا.. شقتي أنا..
:- صرخة مصطنعة :- كيف يعني بيتك أنت ؟؟
:- أقول لكِ بكل صراحة.. أنا أبحث عن زوجة.. زوجة تشبهك في كل تفاصيلك..
:- وماذا عرفت عن تفاصيلي حتى تقول إنها تشبهني ؟؟؟
:- يكفيني جمالك الخارجي.. فبه وحده أؤمن بأن دواخلك أجمل..
أخذت تلف عبايتها حول نفسها.. ارتدتها ثانية.. وتحشمت كأنها أنثى غيرها..
باغتها بدون مقدمات.. هل من الممكن أن نجلس في تلك الكافتريا.. أُريد أن أتحدث إليك؟؟؟
لم يترك لها فرصة للإجابة.. توقف في الكافتريا طلب كوبان من العصير.. وجلسا سوياً..
حدثها عن نفسه :- اسمي محمد عثمان.. درست حتى الصف الرابع الإبتدائى.. تركت الدراسة.. عملت بالسوق.. أمتلك سيارتي المرسيدس هذه ولدي فيلا فخمة.. ليس لي أخ أو أخت.. لدي شركة خاصة..
حدثيني عن نفسك..
:- أنا نادية.. أدرس بجامعة ( ......) من مدينة (....) ليس لدي سيارة..تضحك.. يضحك هو أكثر..
:- مخطوبة ؟؟؟
:- أمممم تقريباً..
تصاعدت خفقات قلبه.. لم أفهم!!!
:- لا تأخذ في خاطرك.. تلك شقاوة الطفولة.. إبن جيراننا.. الشخص الوحيد الذي أحببته.. لي سنوات طويلة لم أره.. أهلي وأهله اتفقوا على أن نكون لبعضنا البعض..
:- ما رأيك في الزواج مني؟؟
:- بهذه السرعة ؟؟؟ أنت لم تعرف أهلي ولم تعرف ظروفهم.. لم تعرف أأغنياء نحن أم فقراء..
:- ليس مهماً وضعكم المادي.. أبحث عنك.. عن أنثى تشبهك.. بجميع تفاصيلك حتى التي لم أعرفها بعد..
:- عرفي أم زواج حقيقي ؟؟؟
:- ماذا تقصدين ؟؟؟
:- زواج بهذه السرعة ألا يُخيفك ؟؟؟ فتاة لا تعلم عنها شيئاً وتريد الزواج بها لمجرد أنك رأيت شعرها الطويل وجسمها الندي.. أمن هذا الكوكب أنت أم من كوكب آخر؟؟؟ دعنا نلتقي مرة ومرة ومرة.. حتى نعرف بعضنا أكثر.. سأحكي لك كل شئ عني.. وهذا رقم هاتفي.. أعطني رقم هاتفك أيضاً..
أصابها الارتباك.. لم تعرف أحداً مثله.. شخص عفوي.. حتى طلاب الجامعة في سنها أكثر قدرة على التروي منه أمام جمالها.. أخذت حقيبتها.. تحركا واتجها نحو سكن الطالبات كما طلبت منه .. أوصلها.. حاول أن يُعطيها شيئاً من المال.. رفضته.. دخلت بسرعة إلى السكن الخاص بها..
لم ينتظر طويلاً.. بمجرد أن تحرك اتصل عليها في هاتفها المحمول.. يسألها إن كانت قد وصلت بسلام... طمأنته وانتهت المكالمة.
في المساء تلفون آخر.. وتلفون آخر.. وتلفون آخر وآخر ..
مواعيد في نفس المكان.. كافتريا .. كوبا عصير.. وجبة غداء دسمة.. هكذا كانت تمر الأيام.
حدثته عن كل شئ تقريباً.
مرت الأيام مسرعة.. اعدته في إجازة أن يزور أهلها.. تعرف إليهم.. رحبوا به بعد أن أخبرتهم بأنه يُريد أن يتزوجها.. لم ينتظر يوماً آخر.. سريعاً طلب الزواج منها..
وافقوا على الزواج.. فهو على الأقل سيُريحهم من طلباتها الكثيرة.. من مصاريف دراستها الباهظة.. سيأخذ حملها منهم.. وتم تحديد الزواج في العيد القادم.. بعد شهرين.. كان يحمل في سيارته الشبكة.. شبكها سريعاً.. وسافرت معه إلى الجامعة.. بصحبته..
أخيرا وجد من يبحث عنها.. فتاة مكتملة في كل شئ.. لا يُريد شيئاً آخر في حياته.. سيعطيها بلا توقف.. ولن يحرمها شيئاً ..
تم الزواج ..
سكنا في فيلته الخاصة.. قبل زواجه علمها كيفية قيادة السيارة في مدرسة لتعليم القيادة.. بعد زواجه منها وهبها سيارة كورولا.. لتذهب بها إلى الجامعة..
مر شهران.. من زواجهما..
يذهب هو للشركة خاصته ..
تذهب هي إلى الجامعة.. أو كما تقول هي..
زميلها في الجامعة
كان ينتظرها في أول الشارع يومياً.. تأخذه معها.. توصله..
في الشهر الثالث.. لاحظ أن هناك مبلغ كبير.. مبلغ يريد أن يرجعه لصاحبه.. ملايين عُدة اختفت من البيت.. بحث عنها بكل ما استطاع.. لم يعثر عليها.. لم يشأ الشك في زوجته.. فهو يحبها وخاف أن يفقدها .
مبلغ آخر.. إختفى..
ومبلغ آخر ..
شك كثيراً في الأمر.. حاول أن يراقبها.. وضع مبلغاً في دولابه الخاص.. وجدها تأخذ المبلغ بكل ثقة.. لا تترك له شيئاً ..
أمعقول هذا؟؟!! كاد قلبه أن ينشق كأخدود.. كتم الأمر في نفسه.. حاول أن يجد لها عذراً ..
قرر أن يسير خلفها.. ليعلم في أي شئ تصرف زوجته مبالغ كهذه..
ويا ليته لم يسر.. هكذا قال في نفسه ..
في أول الشارع زميلها ينتظرها.. يركب معها.. لم يسيرا في إتجاه الجامعة.. ذهبا ناحية الحي الراقي هناك.. وهو خلفهم يسير.. توقفت سيارتها أمام أحد العمارات الشاهقة.. يوجد موقف مخصص لها.. يمنحوه عادة للساكنين في العمارة نفسها.. تترجل من السيارة.. تُنزل أكياساً منها.. يأخذ الأكياس هو.. ممتلئة من منزله تقريباً..
يدخلان.. يأتي هو.. يجد بواباً في مدخل العمارة وقد لاحظه يُسلم على زوجته وقد أعطته بعض المال.. كما تفعل عادةً..
يسلم على البواب.. يسأله عن حاله.. وعن أنه يبحث عن شقة للإيجار هنا.. وأن زميلته تسكن هنا.. أخبره بإسمها.. وأنها قد دخلت للتو..
البواب :- هذه من أطيب البشر.. من أفضل الساكنين في العمارة.. ليت كل الناس مثلها ..
:- كيف ذلك ؟؟؟
:- هي وزوجها دائماً ما يعطونني أمولاً وأغراضاً لأولادي ..
:- زوجها ؟؟؟
:- نعم زوجها ياسر الذي دخل معها قبل قليل..
لم يتمالك نفسه.. ذهب ناحية الشقة التي دخلاها.. لم يطرق الباب.. فتحه.. وجدها كما قال البواب.. زوجة لياسر فيما ترتديه من ملابس.. ووجده هو أيضاً.. زوجاً لها فيما يرتديه.. نظر إليها.. وخرج ..خرج ليس من عالمها فقط ..
بل خرج .




ليست هناك تعليقات: