السبت، 30 يناير 2010

وردة ... حديقة ,, كوب عصير ... ومنزلا لم يعد يملكه








كان يجلس معها.. ثم ذهب بعد برهة ليشتري لهما كوبان من عصير المانجو..

وجد صبياً يبيع الورود فاشترى لها وردةً حمراء ووضعها بجانب كوبها وهو منتشي من فرحه بها.. والسعادة تملأ جانبي كوبها.. وكوبها يتمايل فرحاً لأنها ستشربه.. أنثى يشربها عصير المانجو الرطب.. أتى وإبتسامته تعلو محياه.. اقترب منها لمسافة قدمين.. ذهلت الفتاة.. تلفتت يمنة ويسرة تبحث عن شخص آخر علّه ينقذها من موقفها.. تمنَّت في تلك اللحظة أن تجد فتاة أخرى يقصدها بمناداته وهو يحمل كوباه ووردة.. للأسف لم تجد أحداً.. قال لها :-
:- اعذريني حياتي.. تأخرت عليك..
لم ترد عليه أصابتها صدمة.. شخص يناديها (حياتي) ! قالت بعد أن جمعت قواها :-احترم نفسك !!! أنا متزوجة وزوجي هناك قادم إلي.. إذهب من هنا يا وقح..
أصابته رجفة.. وقعت على أثرها الوردة وتبعتها أكواب العصير وسُحقت الوردة..
تلطخت ملابسه من هول الفاجعة وآثار العصير.. لم يصدق ما تراه عيناه.. أأن من يعشقها ويحبها منذ ثلاث سنوات متزوجة !!!.. لماذا تتصرف معه بتلك الطريقة الفظة.. أهو فعلا وقح.. ماذا دهى تلك الفتاة ؟!..
قطع عليه سيل أفكاره في تلك اللحظة اقتراب زوج المرأة التي كان يكلمها.. بدأ عليه الإرتياب فبادره قائلا :-
هل من خطب ؟؟؟..
فبادرته زوجته قائلة :- لا لا يوجد شيء عزيزي فقط تعثر ووقع منه العصير..
لملم الشاب شتات أفكاره وصدمته المبعثرة وصَرَّها مبتعدا عنهما.. غير مصدق لما يجري حوله..
أخذ أقرب تاكسي في طريقه واتجه صوب منزله وحين وصل إلى مكانه أعطى صاحب التاكسي مبلغا.. ضحك صاحب التاكسي طويلا.. حتى أصابه بالذهول.. لماذا يضحك.. أتراه مخبول ؟؟!.
لم يأخذ صاحب التاكسي منه النقود.. تركه وذهب دون أن يجادله في الأمر..
مر ببقالة بجانب بيته ليتناول مسكناً للصداع الحاد الذي أصابه..
:- لو سمحت يا عثمان اعطني مسكناً للألم..
:- استغرب صاحب (محل تصليح السيارات) من الطلب الغريب.. شخص لا يعرفه.. ويناديه بإسم آخر.. ومن ثم يطلب منه بندول مسكن !!..
رد عليه متعجبا :- يا سيد هذا محل تصليح سيارات وليس لتصليح البشر..
الصداع الحاد كاد أن يفتك به.. إزداد الألم كثيراً الآن..
ولَّى هارباً على غير هدى في إتجاه منزله..
في الطريق إلى منزله رأى صديقه المقرب إليه.. إبن عمه.. والفرحة تتصاعد إلى رأسه.. و بدأ يفيق من أثر الصدمة التي ألمت به.. فأخيراً رأى أن هنالك من يبثه ما رآه فى هذا اليوم الغريب من تشويش وتشابك أحداث..
ناداه باسمه :-
ياسر..
لم يلتفت إليه ياسر!..
:- ياسر ياسر.. لم يلتفت..
:- ياااااااااااااااااااااااااسر..
بدأ رأسه يتآكل من الصداع..
إختار أن يعرج إلى بيته فلم يعد هنالك من يحكي له ما أصاب العالم من حوله.. فقد كان هذا العالم يسير كما يشتهي وأكثر.. أمنياته كانت حبلى بكل ما يسر قلبه..
وقف بجانب باب بيته.. خاف أكثر.. (أأطرق الباب أم أدخل بدون أن أطرقه ؟).. أخيراً قرر أن يدخل دون أن يطرق.. أيطرق باب بيته !!!.. (إنه لم يفعلها فى حياته) !!!..
دفع الباب بيده ولكنه لم يفتح.. حاول بكلتا يديه ولم يفتح أيضا.. إنه يعانده.. رفع رأسه إلى أعلى علَّه يجد أخيه الصغير في الفناء.. فيناديه كي يفتح له الباب..
رفع رأسه.. وجد رجلا وامرأة.. في وضع لا يسمح له بالنظر.. ازدادت دهشته!!! ماذا يفعل هؤلاء الأغراب في بيته.. طرق الباب بعنف طرقات يائسة.. وبعد برهة أتى إليه ذلك الرجل.. أتاه بوجه مكفهر.. وأتت بعده المرأة منزعجة.. سأله الرجل بغضب:- من أنت وماذا تريد يا...... ؟؟؟؟
:-.أ أ أ أأ أليس هذا بيتنا؟؟؟؟
نظر إليه الرجل نظرة احتقار.. أغلق الباب في وجهه.. فانهمرت دموعه في تلك اللحظة.. لم يعد يستطيع السيطرة على نفسه..
ليتني أجد من يستمع إلي.. يدلني من أنا.. أحس بكرات من اللهب تنهش رأسي.. تتقاذفني.. وأنا بينها تائه.. لم أعد أعرف شيئا.. ليتني أجد من يدلني عليّ.. تُرى من أنا.. وكيف حدث ما حدث؟؟.. كيف لم أعرف بيتي.. إن كان أهلي قد باعوا بيتنا صبيحة هذا اليوم إلا أنهم لم يخبروني.. ترى إلى أين أذهب.. ابنة عمي تزوجت وأنجبت بينما أجلب أنا كوب عصير ووردة لها.. والبقالة التي أشتري منها عادة سجائري أصبحت تُباع فيها اسبيرات السيارات بدلاً عن مسكنات الألم!!! يا اللــــــــــــــــــــه..
أخيرا قرر الذهاب إلى النهر.. علّه يرد عليه ويقول له من هو.. ذهب في الاتجاه نفسه الذي تعود أن يمشي فيه.. ولكنه لم يجد نهراً!!.. فقط رمال لا أول لها ولا آخر.. يا الله.. حتى النهر قد تبدل !!!..
فكَّرَ لم لا يكون هو نفسه من تغير.. وقرر أن يعيش بهذا الواقع الجديد.. واقع أنه غريب عن كل شيء.. وكل شيء غريب عنه.. جلس في كومة مرتفعة من الرمل.. أخذ يحصي عددها.. خلع ثوبه ليعد فيه عدد ذرات الرمل.. تفاجأ عندما وجد أن ثوبه الذي يرتديه فقط خرقة صغيرة وهي التي كانت تستره !!!!..
ترى أين ذهب هندامه.. كان يهتم جدا بملابسه.. ضحك فقط على حاله.. وارتدى خرقته مرة أخرى..
سمع صوتا يناديه بالقرب منه.. لم يعره التفاتاً.. شخصين أنيقين.. رجل وفتاة يناديانه.. بكت الفتاة بحرقة حين رأت منظره.. لم يتمالك الرجل نفسه فكفكف دموعه خفية.. وهو يضحك فقط .. يضحك لمرآهما.. يضحك لحالهما..يضحك لردائهما..
قالت الفتاة مشفقة بوهن واضح للرجل الذي معها..
:- إنه إبن عمي كان يحبني كثيرا.. ويقدسني أيضاً.. رفضه أبي لعدم إكماله دراسته.. في آخر مرة جلسنا فيها معا في الحديقة المقابلة للجامعة التي أدرس بها.. أخبرته عن أن أبي قد قبل خطبتك لي.. حينها لم يتمالك نفسه.. وأُصيب بنوبة إغماء.. وبعد أن أفاق ببرهة ذهب ليشتري لي كوب عصير.. ووردة.. علَّ الوردة تكون تذكاراً منه لي تعينني في بقية حياتي معك.. بعدها سمعت أن أهله قد أخذوه إلى المصحة النفسية وشُفيَّ تماماً.. وفي أول يوم ذهب إلى الحديقة واشترى كوب عصير ووردة.. وبعدها عاد إلى جنونه مرة أخرى.. رفضه أهله.. وأهلي.. لم يعد يهمه شيء.. غير أن يشتري كوب عصير ووردة فى كل يوم.. ويبحث عن فتاة في الحديقة.. تكون هي أنا.. فيهديها إياها )..
أخرجت الفتاة من حقيبتها وردة حمراء جافة.. أعطتها له.. نظر إليها بغضب.. وإحتقار.. أخذ منها الوردة.. ويداه ترتجفان.. وذهب مهرولاً في اتجاه الحديقة علَّه يجد أنثاه فيهديها وردة.. أو أن يجد أنثى وردة.. تعيده إلى ما كان عليه.. وما زال يجري كل يوم.. حديقة.. ومحل لتصليح سيارات.. وردة.. حديقة.. كوب عصير.. ومنزلاً لم يعُد يملكهُ.









ليست هناك تعليقات: